الكثير من التصرفات الغريبة للمراهقين والمراهقات، ترجع إلى أفكار خاطئة قد تسربت إلى عقولهم، مثل: إعتناق فكرة المساواة المطلقة بين الفتاة والشاب، أو الإيمان بالحرية المطلقة للفرد، والخروج على تقاليد الأسرة والمجتمع المسلم.
ولأننا جميعا نتحرك بدافع من الأفكار الراسخة بداخلنا، والتي تكون قناعات لدينا، فكان على كل مربي أن يهتم بصياغة أفكار الأبناء والبنات بالطريقة السليمة، فكيف يكون ذلك؟ كيف نميز بين الأفكار الصحيحة والسقيمة؟ ومن أين نستمد الفكر السليم حتى نغذّي به عقول أبنائنا وبناتنا؟
¤ ماذا تعني التربية الفكرية؟
التنشئة الفكرية تعني: ربط الطفل منذ صغره بالفكرة التي يعيش لها، والمبادئ التي يجاهد في سبيلها، والتحصين الفكري ضد المذاهب الباطلة التي تتعارض مع الإسلام.
وتعني أيضاً: تكوين فكر الطفل -الطفلة- بكل ما هو نافع من العلوم، والثقافة العلمية الحديثة التي يحتاج إليها، والتوعية الفكرية والحضارية حتى ينضج عقله، ويتكون علمياً وثقافياً، ومن ثمّ تصبح لديه القدرة على التفكير السليم والمستقل، ويحسن الحكم على الأشياء مستعيناً بخبراته، ومستفيداً من خبرات الآخرين. -حنان الطوري:الدور التربوي للوالدين ،ج 1/ص: 179.
¤ ولماذا التربية الفكرية؟
ـ لأنّ سلوك المرء ما هو إلا إنعكاس لأفكاره، ومعتقداته، فثمة ارتباط كبير بينهما وبين السلوكيات الصادرة عن كل فرد، لذلك كان من أولويات التربية الراشدة تحقيق الأمن الفكري للأبناء، بمعنى تأسيس عقولهم منذ الصغر على الأفكار والتوجهات الإسلامية الأصيلة المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ووضع الضوابط التي تمكّنهم من الإفادة من الأفكار الجيدة لدى غير المسلمين، مع احتفاظهم الكامل بسمتهم الإسلامي الخاص، دون أن يتأثروا بغيرهم، بل يؤَثِّرون هم في الغير.
ـ ولأننا في الحقيقة لا نربي وحدنا، بل هناك العديد من المؤثرات التي تشاركنا التربية شئنا أم أبينا، مثل التلفزيون، والإنترنت، والموبايل، وإن لم نسيطر نحن عليها ونؤسس أفكار أبناءنا وبناتنا بشكل صحيح منذ البداية، فلا شك أنهم سيتأثرون بها، ولأن المرأة المسلمة على وجه الخصوص مستهدفة من أعداء الإسلام من مرحلة الطفولة إلى الرشد، نظراً لأهمية الدور الذي تقوم به في تربية الأجيال، وبناء الأسر -نصر محمد الصنقري: موسوعة تربية الأجيال المسلمة، ص:334 بتصرف.
¤ عفوية أم تخطيط؟
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] من السذاجة أن نتصور أن وجود الأفكار المتصادمة مع أصول ديننا وعقيدتنا في مجتمعاتنا قد أتى عفواً بدون عمد أو تخطيط..! بل إنه مخطط تتقاصر عنده مخططات الحروب وميادين القتال، إنه إفساد وتغريب متعمد لأمتنا.
وما التغريب سوى: إدخال مجموعة الأفكار والمفاهيم والممارسات الوافدة من الكفار إلى المجتمعات المسلمة، بهدف صرف الأمة المسلمة عن دينها، وإنسلاخها من هويتها الإسلامية. وإشتقاق هذه الكلمة من الغرب لغالبية دورهم في هذا المجال، وإلا فالكفر ملة واحدة، قال تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} [البقرة:109].
جاء في بروتوكولات حكماء صهيون: علينا أن نكسب المرأة، ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية -د.ناصر بن سليمان العمر، فتياتنا بين التغريب والعفاف ص:28.
ومن هنا تبرز أهمية التربية الفكرية للفتاة حيث إنها تعني صياغة أفكار الفتاة بالطريقة الصحيحة التي تؤهلها لأداء وظيفتها التي خلقها الله من أجلها {وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:56] ليكون ذلك هو الهدف الأسمى الذي تعيش من أجله، والأساس الذي تبني عليه تصرفاتها، وتقبل أو ترفض ما يرد إليها من أفكار، كما أنّ إعداد الفتاة ذهنياً وتوجيه أفكارها إلى المسار الصحيح الذي يتوافق مع مهام الزوجية والأمومة من شأنه أن يدعم قيامها بتلك الوظيفة على أحسن وجه، وبل وينقلها من مجرد الأداء إلى الإبداع والتميز فيها -حنان عطية الطوري: الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة،ج/1ص:177.
¤ عوامل التنشئة الفكرية السليمة:
هناك خطوات رئيسة في البناء الفكري للفتاة، لابد أن يطبقها الوالدان مبكراً منذ مرحلة الطفولة، بحيث يتم توجيه أفكار الفتاة بشكل سليم كما أراد الله عز وجل لها، وتكتسب الحصانة الكافية ضد أي غزو فكري أو أفكار دخيلة تضر بها في أمر الدنيا والآخرة.
وأهم تلك الخطوات هي:
ـ ربط الفتاة بالقرآن الكريم مبكراً:
فالقرآن الكريم هو أساس حماية الفكر، ومنطلق الإعتدال والتوسط، يدعو إلى ذلك بآياته وأحكامه وأخلاقه، حيث أثبت للمسلم الهوية الواضحة، والشخصية المستقلة الرائدة لغيرها، المترفعة عن التقليد الأعمى والتبعية، كما نقّى القرآن الكريم عقل المسلم من الخرافة، والسحر، والشعوذة، والوهم، وإدعاء علم الغيب، كي لا تسيطر عليه الخرافات والأوهام التي يهذى بها أهل الشعوذة والدجل ومن نحا نحوهم، والقرآن الكريم دعا إلى تنقية العقل من الأحكام المبنية على الظنون والتخمينات، فالظن في الإسلام لا يغني عن الحق شيئاً، قال تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم:28].
كما حذّر القرآن من إتباع الهوى لأنه يحول بين الشخص وبين الوصول للمعرفة الصحيحة قال: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [المؤمنون:71].
ـ الإجابة عن استفسارات الطفلة وأسئلتها:
إذا نشأت الطفلة -الطفل- نشأة طبيعية، فإنه وبحكم إحتكاكها برفيقات اللعب والمدرسة والأقارب والجيران، تكثر ملاحظتها للأشياء والأحوال التي تحدث أمامها، وقد تعجز عن فهم طائفة منها، فتنشأ في عقلها العديد من الأسئلة المتوالية، كومضات الضوء الخاطف، وهي بدورها توجهها إلى والديها بحثاً عن إجابة لها..! والخطأ الجسيم الذي قد يرتكبه بعض المربين هو أن تضيق صدورهم عن الإستماع إلى أسئلة الأطفال في هذه المرحلة، ولكن يجب الإهتمام بإجابتها عن أسئلتها التي تثيرها مهما بدت سهلة، أو صعبة التناول، لأن ذلك يؤدي إلى إحباط تفكيرها، وإعاقة رغبتها المتنامية في المعرفة، كما تدفع بها إلى اللجوء لآخرين قد ينقلون إليها معلومات مشوهة أو خاطئة، على أن تكون الإجابات صحيحة وميسرة بالقدر الذي يتناسب مع فهمها.
ـ تعويد الابنة عدم إصدار الأحكام المبنية على الظنّ أو الهوى:
لأن إصدار الأحكام المبنية على الظنون والتخمينات، والأهواء كل ذلك يضر بالعقل، قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ} [المؤمنون:71]، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من إتباع الظن في حكمنا على الأمور نظراً لأنه غالباً ما يكون كاذباً وهمياً، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا» متفق عليه.
ـ تربية الفتاة على إستقلال التفكير، ونبذ التبعية أو التقليد الأعمى:
لأن المربي الماهر هو الذي يقود أفكار أبنائه وتلاميذه من مرحلة إلى غيرها وصولاً بهم إلى الحق، دون أن يحملهم على مجرد محاكاته، وترديد ما يقول من غير روية ولا تفكير.
لذلك يتأكد تعويد الإبنة منذ نعومة أظفارها على رفض التبعية والتقليد، وأن تستعمل عقلها في التفكير والبحث فيما يحيط بها من أمور، ولا تقلّد أحداً دون تعقل وتدبر، حتى لا يحل بها ذلك الوصف السيء -الإمعة- الذي ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يكن أحدكم إمعة، يقول إنّ أحسن الناس أحسنت وأن أساءوا أسأت، ولكن وطنّوا أنفسكم إن أحسن الناس أحسنتم، وإن أساءوا أن تتجنبوا إساءتهم» رواه الطبراني وصححه الألباني، وبذلك تتربي على أنّ لها شخصيتها المتميزة، وتفكيرها المستقل.
- تعويدها على القراءة والمطالعة الواعية:
والفتاة في مرحلة التمييز ينمو ذكاؤها بشكل مطّرد، كما ينمو عندها التفكير الناقد، ويتحول التفكير من الحسّي إلى التفكير المجرّد اللفظي المعنوي كإدراك معنى الحق والعدل والمساواة، كما ينمو التخيل من الإيهام إلى الواقعية والإبداع والتركيب، وينمو لديها كذلك في هذه المرحلة حب الإستطلاع، وتميل إلى الإستماع للحكايات والقصص، لذلك ينبغي على الوالدين أن يضعا بين يدي إبنتهما مكتبة منزلية ولو صغيرة، كي تتسع مداركها، ويرتفع مستوى تفكيرها، وتزداد حصيلتها الثقافية والعلمية، وارتباطها بأمتها الإسلامية -ملف التربية الفكرية للفتاة/موقع الدكتور/عدنان حسن با حارث على شبكة الانترنت.
ـ اعتماد أسلوب الحوار الهاديء مع الابنة:
الحوار الهادئ ينمي عقلها، ويوسع مداركها، ويزيد من نشاطها في الكشف عن حقائق الأمور، كما أن تدريب الطفلة على المناقشة والحوار -بأدبٍ وخلق- يقفز بالوالدين إلى قمة التربية والبناء، إذ تستطيع الطفلة عند ذلك أن تعبر عن حقوقها، وأن تسأل عن مجاهل لم تدركها، وبذلك تحدث الانطلاقة الفكرية لها.
وأخيراً عزيزتي الأم..عزيزي الأب:
إنّ الاهتمام بالتربية الفكرية للفتاة يعني صياغة عقل أمهات المستقبل اللاتي سيقمن بدورهن بالتربية الصحيحة للأجيال القادمة، كما يعني في الوقت ذاته قطع الطريق أمام موجات التغريب والغزو الفكري الذي يستهدف فتياتنا وشبابنا بالدرجة الأولى.
فلنربي جيلاً قوياً يحمل الراية، ويأخذ بمبادرة القيادة والتوجيه، ويمثل القدوة والنموذج الذي يقتدي به لشباب العالم أجمع إن شاء الله.
الكاتب: سحر شعير.
المصدر: موقع لهَـا أون لآين.